محمود كيال حماده حسانين العلاقات الثقافية المتبادلة بين العرب ويهود إسرائيل كما تعكسها الترجمات العربية للأدب العبرى الحديث

ترجمة
العلاقات الثقافية المتبادلة بين العرب ويهود إسرائيل كما تعكسها الترجمات العربية للأدب العبرى الحديث [ Intercultural relations between Arabs and Israeli Jews as reflected in Arabic translations of modern Hebrew literature ]

محمود كيال جامعة تل أبيب، إسرائيل | جامعة المنصورة

Translated by حماده حسانينجامعة تل أبيب، إسرائيل | جامعة المنصورة

جرت الأواصر بين الثقافتين العربية والعبرية الإسرائيلية فى كنف صراع سياسى ممتد ومحتدم بين العرب واليهود فى الشرق الأوسط، ولذلك صار الحوار الثقافى بينهما عدائيا وجداليا ومشحونا بالجمود والإجحاف، وينعكس هذا الحوار العدائى فى حركة الترجمة من العبرية إلى العربية؛ نظرا لارتباط مقومات هذه الحركة والاعتبارات الُموجّهة لها قبل وأثناء الترجمة بالسياسة، فلم تُقبل الترجمات ذاتها على أنها إبداعات أدبية، بل كوثائق تعكس ثقافة الآخر، ولم يطرأ أى تغيير حقيقى فى طبيعة حركة الترجمة سواء بسبب الأقلية العرقية العربية المتواجدة بإسرائيل أم بسبب اتفاقات السلام المبرمة بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، ويتضح أن حركة الترجمة فى ظل هذا الصراع الإقليمى المحتدم سوف تأتى بترجمات غرضها أيديولوجى أكثر منه أدبى.

كلمات مفتاحية:
  • الصراع العربي-الإسرائيلي,
  • حوار عدائي,
  • الاعتبارات الأيديولوجية,
  • ترجمة معزولة,
  • النصوص بتر
جدول المحتويات

المقدمة:-

أسعى من خلال هذا البحث إلى تتبع أثر العلاقات الثقافية المتبادلة بين اليهود والعرب فى ترجمة الأدب العبرى الحديث إلى اللغة العربية، والفرضية الأساسية التى أستند إليها هى أنه فى ظل حالة من الصراع الإقليمى المحتدم سيزداد الحوار العدائى الممتد بآثاره إلى حركة الترجمة سوءا بين الطرفين. فى الواقع لن تستمر حركة الترجمة كوسيلة لحوار مثمر بين الثقافات، ولكن ستصبح حلبة للصراع بين الآراء السياسية والفكرية، وفى المستقبل قد لا تغدو اعتبارات المترجمين والمحررين والناشرين أدبية صِرْف، بل سياسية وأيديولوجية سواء أكان هدف الترجمة هو الارتقاء بقضية السلام والتفاهم بين الشعوب المعنية أم استكشاف كل طرف للطرف الآخر المعادى، وستؤثر الاعتبارات الأيديولوجية فى المترجم خلال عملية الترجمة، ولذلك فالتكامل بين النص المترجم ومستوى أسلوبه اللغوى ودرجة طرح اللغة المصدر فى هذا النص المترجم وغيرها سيعبر فى أغلب الأحوال عن الأيديولوجية التى يعمل المترجم فى ضوئها.

ورغم أن ثمة دراسات أجريت حول الترجمة فى حالات من الصراع كالترجمات الروسية الإنجليزية إبان الحرب الباردة، بيد أن الدراسة الحالية تُعنى بحالة صراع أكثر تعقيدا؛ نظرا لتهميش أدب كلٍ من اللغتين العبرية والعربية فى الأدب العالمي.

1.الخلفية التاريخية:-

كانت العلاقات بين اليهود والعرب على مر العصور التاريخية طيبة وعلى نحو رائع، وتتضح هذه العلاقات فى الازدهار الثقافى للمجتمع اليهودى تحت راية الإسلام فى العصور الوسطى (خاصة فى بلاد الأندلس المسلمة)، وفى انخراط المثقفين اليهود فى الثقافة العربية (جواتين 1974).

ومنذ نهاية القرن التاسع عشر شجعت الحركة الصهيونية اليهود فى كل أنحاء العالم على الهجرة إلى فلسطين التى يعتبرونها موطنهم الأصلى طبقا لكتابهم المقدس، وقد رأى العرب الذين قطنوا بالأرض المقدسة فى هجرة اليهود تهديدا لكيان دولتهم، ولذلك نشب صراع سياسى واضح بين اليهود والعرب بلغ أوْجَه مع إنشاء دولة إسرائيل فى عام 1948، وتشتت الشعب الفلسطينى فأصبح الآلاف منه لاجئين فى الدول العربية المجاورة، وقد زادت الاشتباكات العنيفة التى لا تزال قائمة حتى اليوم بين دولة إسرائيل والدول العربية والمنظمات الفلسطينية من حدة التوتر والكراهية بين الطرفين، وعلى الرغم من معاهدات السلام العديدة التى عقدتها إسرائيل على مر السنين مع مصر فى عام 1978 ومنظمة التحرير الفلسطينية فى عام 1994 والأردن فى عام 1995، إلا أنها لم تخفف كثيرا من حدة التوتر بين الطرفين.11-للمزيد عن تاريخ الصراع العربى الإسرائيلى، انظر : (على سبيل المثال) موريس (1999سعيد (1992).

ويقطن بإسرائيل قطاع عريض من الفلسطينين العرب بلغت نسبته 20% من حجمها السكاني، فوجد هذا القطاع السكانى نفسه فى موقف اجتماعى سياسى معضل تعيش في ظله، فى دولة ذات أغلبية يهودية، أقلية عرقية فلسطينية تربطها علاقات القرابة والدين والجنسية والثقافة بالعالم العربى الذى لم يزل فى صراع مستمر مع إسرائيل، وبسبب ذلك كان هناك إتجاهان متناقضان سائدان بين أفراد هذه الأقلية، حيث تتطلع هذه الأقلية للانخراط فى الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية بدولة إسرائيل من ناحية، لكن التوتر السياسى المستمر والشعور بالتمييز وعدم المساواة مع المواطنين اليهود زاد من شعور هذه الأقلية بعدم الانتماء لهذه الدولة وكافة مؤسساتها وقيمها من ناحية أخرى (لاندو 1993: 119–123).

أيا كان الأمر، منذ إقامة دولة إسرائيل وحكومتها تبذل جهوداً لمنع شعور هذا القطاع من السكان بالغربة وعدم الانتماء، وكان تخوفها الأساسى هو احتمالية أن يتسبب الاستقلال الثقافى للسكان العرب فى خلق كيان وطنى، وبناء عليه ارتأى بعض أفراد الحكومة الإسرائيلية أنه كان من الأفضل والمستحب مساعدة العرب على الاندماج فى المجتمع اليهودى، كما رأوا فى النظام التعليمى قناة رئيسة يمكن من خلالها التأثير فى الشباب العرب لزيادة وعيهم بالثقافة اليهودية، وعزلهم عن التراث العربى الفلسطينى. علاوة على ذلك، خلال فترة الحكم العسكرى المفروض على عرب إسرائيل من عام 1948 حتى عام 1966 خضعت المنشورات والصحف العربية لرقابة شديدة، كما وُضعت أعمال المؤلفين العرب المشتبه في ولائها تحت رقابة صارمة.22-انظر: (مثلا) شهادة الشاعر الفلسطينى البارز محمود درويش (درويش 1979 :27–28).

فى إطار النشاط السياسى الداعم للحكومة، ظهر نشاط عربى أصيل مَعْنى بالتفاهم العربى اليهودى وحسن الجوار بينهما والأصول المشتركة بين الشعبين والبحث عن السلام (سنير 1990: 248–249)، وعلى نحو مماثل، زاد نشاط الترجمة من العبرية إلى العربية بقدر وافر فى المنشورات التى أطلقتها أو دعمتها الحكومة (انظر أدناه). ومع ذلك، بدأت الثقافة العربية الفلسطينية بإسرائيل فى التعافى رويدا رويدا من الأزمة التى تجشمتها بعد أحداث عام 1948، وعلى مر الأعوام وخاصة بعد عام 1967، تراجع التدخل الحكومى المباشر فى النشاط الثقافى العربى، وزاد الجفاء بين الثقافتين نتيجة الاتجاه المتزايد نحو “فلسطنة” عرب إسرائيل.

2.مواقف العرب من الثقافة الإسرائيلية

2.1فى العالم العربى

نشأ بين العرب ويهود إسرائيل حوار ثقافى عدائى يُمثل بعينه حالات من الصراع الإقليمى المحتدم المثير للجدل والملىء بالجمود والتحامل (هورويتس 1985)، فاعتبر كثير من المفكرين العرب دولة إسرائيل وثقافتها جزءاً من حملة استعمارية حديثة دخيلة على المنطقة، أى شكلا جديدا من أشكال الغزو الصليبى. فبذلوا جهودا وفيرة لإثبات عنصرية الثقافة العبرية وتعهدها السياسى ودعوتها إلى كراهية العرب والإسلام، فقادهم جهلهم بالثقافة العبرية أحيانا إلى الوثوق بأفكار جامدة سائدة فى أوروبا، وأحيانا إلى الارتكاز على دراسات معادية للسامية، ويتجلى هذا بصفة خاصة فى نزوع دراسات عربية، لاسيما أدب العامة، إلى تنميط تعبيرات مثل اليهودى والصهيونى والإسرائيلى على هيئة قوالب فكرية جامدة (سومخ 1989)، رغم أن بعض المفكرين العرب زعموا أن الدراسات الغربية الأوروبية قد رسمت صورة عن اليهودى أكثر وقاحة وعداء مقارنة بما رسمته الدراسات العربية (باهى 1986: 208–278).

حتى بعد إبرام معاهدات السلام بين إسرائيل وكل من مصر والأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية، تمادى كثير من المفكرين العرب فى مواجهة التبادل الثقافى مع إسرائيل خوفا من “الغزو الثقافى” (سومخ 1998: 159)، بل أنكر بعضهم وجود ما يسمى بالثقافة والأدب واللغة العبرية استنادا إلى عدم وجود الأمة اليهودية سابقا ووجود الديانة اليهودية فقط، كذلك عدم وجود الدولة الإسرائيلية ووجود مجرد كتلة من الأفراد لا يجمعهم إلا القليل (حجازى 1995).

على مر السنين الماضية طرأت عدة تغيرات فى مستوى الإلمام بالثقافة اليهودية واتجاهات الآخرين حيالها، فالبنسبة للمفكرين العرب كانت هزيمة 1967 بمثابة نقطة تحول؛ لأنها دفعتهم إلى التعرف على المجتمع الإسرائيلى، وإضافة الكثير من معالم الثقافة الإسرائيلية إلى مجالات إهتمامهم (سومخ 1998)، كما أن اتفاقات السلام مع إسرائيل قد زادت عدد من أرادوا حوارا ثقافيا قائماً على الإحترام والثقة المتبادلة، خاصة مع أنصار السلام من الإسرائيليين، إلا أن أصواتهم كانت مهمشة وغير مسموعة آنذاك فى العالم العربى (انظر مثلا بحراوى 1994)، ثم إنه من الواجب على الإنسان فى هذا الصدد التمييز بين الدراسات ذات النزعة العدائية الجامحة عادة المكتوبة من أجل العامة وتلك الدراسات الأكثر موضوعية التى أجريت فى بيئة أكاديمية أو فى معاهد بحثية.

2.2بين الفلسطنيين العرب بإسرائيل

منذ قيام هؤلاء الناس بإجراء حوار تبادلى ثقافي معقد مع الثقافة العبرية الإسرائيلية وعلامات الانشقاق بين الثقافتين واضحة جلية داخل إسرائيل:

(أ)

الاتجاه لتنميط صورة العربى فى الثقافة والأدب الإسرائيلي سواء أن تم تصنيفه كإرهابى متوحش أم بصورة ألطف كمحافظ على التراث اليهودى القديم من الظاهر على الأقل (انظر مثلا رامراز-راوخ 1989).

(ب)

خلقت الأواصر التى نشأت بين الثقافة الإسرائيلية والثقافة الغربية والأمريكية على وجه الخصوص – انطباعا بأن الثقافة العبرية فقدت شخصيتها السامية، مما تسبب فى بعدها الشديد عن الثقافة العربية السامية (شماس 1985).

(ج)

رغم الاعتراف باللغة العربية كلغة رسمية، إلا أنها لم تزل غير ذات أهمية، خاصة لأن يهود إسرائيل لديهم صور نمطية سلبية عن اللغة العربية مقارنة بلغتهم العبرية، هذه حقيقة تؤكدها قلة رغبة الشعب اليهودى فى تعلم واستخدام هذه اللغة، فى حين أن المواطنين العرب مضطرون لتعلم اللغة العبرية (شوهامى ودونيتسا-شميت 1998).

(د)

لا يثير أى من الأدبين اهتمام قراء ونقاد الطرف الآخر، حتى مع ترجمة كل منهما للغة الأخرى (أميت-كوخافى 1999، كيال 2000)، علاوة على غياب التواصل الدائم بين الأدبين، فنادرا ما عُقدت مثلا اللقاءات الأدبية رغم جذبها عادة انتباه كثير من الساسة والإعلاميين.

(ه)

على مر السنين غَيَّر المفكرون العرب بإسرائيل من مواقفهم تجاه الثقافة العبرية عامة، فصار حوارهم مع هذه الثقافة جداليا على نحو مضطرد، وهو ما يمكن رؤيته مثلا فى البحوث المنشورة منذ الثمانينيات (انظر مثلا مزعل 1985)، وقد يدلل هذا الأمر على الإعراض المتزايد عن الثقافة العبرية، والتأكيد على حلقات الوصل مع الثقافة العربية الأم، فيشير سومخ (1989) مثلا إلى عدم اهتمام الكتاب العرب فى إسرائيل بما يتعلق بالطرف الآخر، ومن علامات عدم الاهتمام هذا فى رأيه اختفاء شخصية اليهود تدريجيا من أعمالهم بداية من ستينيات القرن العشرين فصاعدا مقارنة بالخمسينيات التى شهدت ظهور الشخوص اليهودية بالأدب العربى، من ناحية أخرى ثمة بعض الظواهر التى تشير على ما يبدو إلى وجود حلقات تواصل طبيعى ومثمر بين الثقافتين.

(1)

التداخل اللغوى بين العبرية والعربية والعكس، فالتأثير الكبير الذى تمارسه العبرية على العربية المنطوقة فى إسرائيل ظاهر للعيان فى معظم مجالات الحياة، لكن تأثير العربية على العبرية لا يزال محدوداً (عمارة 1999).

(2)

الازدواجية اللغوية والأدبية لدى بعض المؤلفين العرب أمثال أنطون شمَّاس (المولود فى عام 1950) ونعيم عرايدى (المولود فى عام 1948)، اللذين كتبا بعض أعمالهما بالعبرية، وكذلك لدى بعض المؤلفين اليهود المولودين فى دول عربية أمثال سامى ميخائيل (المولود فى عام 1926)، وشمعون بالاص (المولود فى عام 1930)، اللذين كتبا بعض أعمالهما بالعربية (سنير 1991، 1995).

(3)

تم استيعاب بعض الممثلين والفنانين والمؤلفين العرب فى قلب الثقافة العبرية الإسرائيلية، رغم كون هذه العملية مثار جدل ممتد ما بين مؤيدين ومعارضين من الثقافتين (انظر مثلا سنير 1995).

يتضح من ذلك لماذا كان لنشوب الصراع المحتدم بين اليهود والعرب بالغ الأثر فى التواصل الثقافى فيما بينهما؟ ومن ثم وقف الصراع حائلا أمام حوار ثقافى ناجح بين الطرفين رغم ماضيهما الثقافى المشترك وحلقات التواصل الثقافى فى الفترة الحديثة التى أدت فى المقام الأول إلى زيادة التعرف على الآخر أكثر من قبوله واستيعابه، أما بالنسبة لتواجد أقلية عرقية عربية بإسرائيل فلا يساهم فى تغيير الوضع إلا قليلاً. نعم، كان لعرب إسرائيل القدرة على العمل كسفراء ثقافيين فى الاتجاهين، لكنهم مازالوا منحصرين بين الهوية القومية التى تبعث على الشعور بالاغتراب وموقفهم كمواطنين الذى يحث على الاندماج، وعليه تتسم علاقاتهم بالثقافة اليهودية الإسرائيلية بالتعقيد والتزعزع.

3.حركة الترجمة من الأدب العبرى الحديث إلى العربية

ترتب على العلاقات الثقافية بين اليهود والعرب نشاط هائل فى حركة الترجمة، فانصب اهتمام الترجمة من العبرية للعربية فى العالم العربى على أمور السياسة والشئون العسكرية والمخابرات، بينما عكفت غالبيتها فى إسرائيل على خدمة أغراض عملية كالكتب الدراسية والأدلة والملصقات والإعلانات وما شابه (روبينسون 1998)، إلا أننى أقتصر هنا على ترجمات الأدب العربى الحديث إلى العربية من عصر الهسكالا (أى حركة التنوير العبرى فى القرن الثامن عشر) إلى الآن.

جدول 1.حركة الترجمة من العبرية إلى العربية من حيث جهة وتاريخ ونوع النشر
الجهة العالم العربى (شاملا السلطة الفلسطينية والناشرين العرب فى أوروبا) إسرائيل
تاريخ/نوع النشر روايات ومختارات مترجمة، إلى آخره ترجمات فى مجلات منشورة وكتب بحثية روايات ومختارات مترجمة، إلى آخره ترجمات فى مجلات منشورة وكتب بحثية
قبل 1948  1   1 _ _
1948–1967 _ _  8  575
1968–2000 30 173 42 1112
الإجمالى 31 174 50 1687

يوضح البيان السابق كيف تأثرت العلاقات الثقافية بين الطرفين بالتطورات المختلفة للصراع العربى الإسرائيلى، وبوجود أقلية عرقية عربية داخل إسرائيل، ومن ثم يمكن الإفتراض بأن حركة الترجمة قد تأثرت أيضا بمثل هذه العوامل، ولتكوين فكرة عن هذه الحركة، قمت بإعداد جدول يوضح تطورها التاريخى (انظر جدول 1).33-أود التأكيد هنا على أن الترجمات المنشورة بالمجلات والكتب البحثية قصيرة عادة وأغلبها قصائد شعرية، وثمة صعوبة حقيقية فى الحصول على كافة الترجمات فى تلك المراحل، وبناء عليه، فأعداد الترجمات المذكورة هنا ليست دقيقة وغير نهائية.

قد تعطى القراءة التفصيلية لهذا الجدول وقائمة الترجمات وتحليل عينات من الترجمة تفسيراً لانقسام هذه الحركة إلى أربع فئات طبقا للأحداث التاريخية والسياسية.

(أ)

من نهاية القرن التاسع عشر حتى عام 1948.

(ب)

من عام 1948 حتى عام 1967 بإسرائيل.

(ج)

من أواخر الستينيات حتى الآن بإسرائيل.

(د)

من أواخر الستينيات حتى الآن بالعالم العربى.

3.1من نهاية القرن التاسع عشر حتى عام 1948

فى أثناء هذه الفترة الأولى، لم تكن هناك تقريبا أية ترجمات من الأدب العبري الحديث إلى العربية، فقد رأى المفكرون العرب أن الأدب العبرى ظاهرة هامشية لم تبلغ مرحلة النضج، ومن ثم لم يكن لديها ما تقدمه للقارىء العربى، فالكتاب الوحيد المترجم قبل عام 1948 هو رواية “حب صهيون” عام 1953 لإبراهام مابو (1808–1867)، التى يعتبرها مؤرخو الأدب أول رواية عبرية ذات حبكة محاكة ببراعة، وفن ترتكز على قصة من الكتاب المقدس، ترجم هذه الرواية سليم الداوودى (1952-؟) الذى عمل كسكرتير محكمة حَبْرية يهودية بالقاهرة تحت اسم “محبة صهيون” (1899/1921–1922)، وقد أكد المترجم أن غرض الترجمة هو أن يثبت لأصحابه اليهود أن العبرية كانت لغة حية (بن-دور 1981). ولا غرو فى امتلاء الترجمة العربية بالأخطاء النحوية ونادرا ما آلت هذه الترجمة إلى قراء من غير اليهود، زيادة على ذلك، ظهرت فى المجلات والدوريات ترجمات قصيرة خدمت أغراضا سياسية إما تأييدا أو معارضة للحركة الصهيونية فى فلسطين (أسطة 1993).

3.2من عام 1948 حتى عام 1967 بإسرائيل

بعد تأسيس دولة إسرائيل، اعتبرت بعض الدوائر الحكومية ترجمات الأدب العبرى إلى العربية وسيلة لتشجيع المواطنين العرب على الاندماج فى حياة الدولة، و من الأسباب التى دفعتهم فى هذا الشأن الفراغ الثقافى لدى الفلسطنيين القاطنين بإسرائيل نتيجة فرار معظم المثقفين العرب، وكذلك انفصال السكان العرب المحليين عن بقية العالم العربى.

أكدت هذه الجماعات على أهمية حركة الترجمة فى تعزيز علاقات وأواصر الصداقة بين اليهود والعرب،44-انظر: (مثلا) المقالات الافتتاحية فى الاصدارات الأولى لدوريات المجتمع (1954) ومفجاش/لقاء (1964). كما قدمها العديد منهم على أنها امتداد للنشاط الثقافى بعيد المدى فى “العصر الذهبى” للأدب العبرى الكلاسيكى بالأندلس المسلمة، إلا أن هذا كان فى الحقيقة نشاطاً سياسياً تحت ستار أدبى؛ لأنه فى رأيى سعت عناصر كثيرة من الحكومة عن طريق هذا النشاط إلى تمكين الثقافة اليهودية الغالبة من الهيمنة على الأقلية العربية (انظر أعلاه).

نشأت حركة الترجمة المدعومة رسمياً فى إطار حكومى بشكل رئيس، وبخاصة صحف اليوم (1948–1968) (1937–1959) التى نُشرت بالعربية فى حقيقة الأمر، لكنها كانت انعكاسا لآراء الحكومة بكل وضوح، أو فى منشورات الدوائر العربية الموالية للحكومة، مثل المجتمع (1949–1954) المنشورة فى مدينة الناصرة (نازاريث).

نُشرت فى هذه الفترة مقتطفات قليلة من الترجمات (عددها ككل ثمانية فقط)، صادرة كلها تقريبا من دار نشر مدعومة حكوميا وتابعة للمنظمة العمالية الصهيونية (هستدروت55-هستدروت: أُسست فى عام 1920، هى فى الأصل منظمة عامة للعمال اليهود بفلسطين وأصبحت بعد عام 1948 هيئة كاملة تشتمل على نقابات تجارية ومؤسسات عمالية متنوعة تحت سيطرة ماباى وهو الحزب الحاكم فى الدولة (انظر التعليق الختامى رقم 6 أدناه).)، وهى دار النشر العربى.

كان معظم المترجمين من اليهود الذين وُلدوا فى دول عربية وتكلموا بالعربية فى مسقط رأسهم، وتعلموا العبرية عند وصولهم إلى إسرائيل، فساعدهم تمكنهم من اللغتين على العمل كوسطاء بين الحكومة والسكان العرب، كما كان بعضهم من أصحاب المناصب الكبيرة فى الهيئات الحكومية التى تعاملت مع قطاع السكان العرب، وقام اثنان منهم، وهما بنيامين زكاى (المولود فى عام 1927) وماير حداد (المولود فى عام 1910) بنصف الترجمات البالغ عددها 600 ترجمة، والمنشورة خلال هذه الفترة فى المجلات والكتب.

تم انتقاء الأعمال التى أُختيرت للترجمة من القاعدة الأدبية الرسمية، والتى عبرت عن إجماع صهيونى إسرائيلى، وثمة حذوفات كثيرة فى الترجمات ذاتها وفى الأعمال غير المعتمدة نتيجة الرغبة فى إمداد القارئ العربى بنص مقروء موجز يحمل مزاعم أيديولوجية واجتماعية تناسبت مع النظرة الأساسية لحزب ماباى الحاكم،66-ماباى: الحزب السائد فى السياسة الحاكمة لإسرائيل من عام 1948 حتى عام 1977، ويعتبر الحزب الأكبر والعنصر الرئيس فى الائتلافات الحكومية. وهذا ما يعرب عنه الاتجاه نحو إسباغ المثالية على المجتمع الإسرائيلى والمشروع الصهيونى. فى هذا السياق، طُمست الأغراض الثقافية اللغوية التى تتنافر مع هذه المثالية، وبُرّزت الأغراض التى تتغنى بنشاطات الصهيونية، وعلى نحو مماثل مُحيت كافة الظواهر التى تُظهر حالات التوتر فى المجتمع الإسرائيلى والاتجاهات المتعجرفة والعدائية إزاء المواطنين العرب بإسرائيل.

ضف إلى ذلك تفضيل مفردات لهجة عربية فصيحة الأسلوب، لاسيما تلك المستمدة من الأدب وتحوير مفردات معينة اشتقت من الثقافة اليهودية إلى اصطلاحات عالمية أو إسلامية، تمشيا مع الاتجاه العام نحو تأكيد مبدأ القبول، بمعنى الرضا بمعايير ناشئة فى الثقافة الهدف (تورى 1995: 57) والإحجام عن زيادة العراقيل أمام القارئ بتقديم مفردات غريبة غير مألوفة.

من ناحية أخرى، عادة ما تُرجم النص بأكمله فى الأعمال المعتمدة التى حازت على تقدير خاص من الحكومة، وتم الحفاظ حتى على التقسيم الأصلى، كما حُفظت المفردات المأخوذة من الثقافة اليهودية والإسرائيلية.

غير أنه قد اعترت مجموعة الترجمات فى الثقافة العربية الهدف حالة من التهميش، وبدا أن النهضة المحلية بين السكان العرب وسيطرة عناصر الحكومة على مجال الترجمة قد تسببا فى تدهور ملحوظ نسبيا فى حالة هذه الترجمات مقارنة بحالتها الأولى فى الأدب العبرى.

فى هذا السياق، كانت ترجمة رشيد حسين (1936–1977) لأعمال حاييم ناحمان بياليك (1873–1934) التى ظهرت فى عام 1966استثناءً للأمر من عدة أوجه:-

(أ)

كان المترجم شاعراً فلسطينياً بارزاً.

(ب)

المجموعة المترجمة لأعمال الشاعر اليهودى القومى المدعو سابقا.

(ج)

نشرتها دار نشر إسرائيلية أكاديمية.

(د)

الترجمة العربية ممتعة لغوياً وأسلوبياً.

أيا كان الأمر، ساهم انخراط الدوائر القومية الشيوعية والعربية قليلا فى حركة الترجمة من حيث قبول ومكانة الأدب العبرى فى الترجمة العربية، واهتمت هذه الدوائر فى المقام الأول بتجهيز منتدى للكتاب العبريين، يتقارب مع أيديولوجياتهم حتى وإن كانت أعمالهم مهمشة فى الأدب العبرى المصدر.

3.3من أواخر الستينيات حتى الآن بإسرائيل

كانت هذه الفترة حافلة بالتغيرات والتناقضات فى حالة المجتمع العربى بإسرائيل كما كان الحال فى الشرق الأوسط بصفة عامة، وقد أُخضعت الكتلة العربية بإسرائيل التى تخلصت من قيود الحكم العسكرى فى عام 1966 إلى عمليات من التحديث والإدماج فى المجتمع الإسرائيلى. من جهة أخرى بعد احتلال إسرائيل للضفة الغربية للأردن وقطاع غزة فى عام 1967،77-كانت الضفة الغربية للأدرن وقطاع غزة جزءاً من فلسطين تحت الانتداب البريطانى (1917–1948)، وبعد حرب 1948 وتأسيس دولة إسرائيل فى جزء من فلسطين المنتدبة، تم ضم كليهما للأردن ومصر تباعا. ثم احتلتهما إسرائيل فى عام 1967 والتى وقعت على إتفاقية مع القيادة الفلسطينية فى عام 1994 نشأت بموجبها هيئة فلسطينية مستقلة فى هذه المناطق. تم إحياء العلاقات مع العرب مرة أخرى، وعلى الصعيد الإقليمى، دخلت إسرائيل فى حروب ضروس ودامية مع الدول العربية والمنظمات الفلسطينية، لكن تم إبرام عدد من معاهدات السلام بين الطرفين بشكل تدريجى.

أدت هذه التطورات وغيرها إلى توقف حركة الترجمة الرسمية بنفس الأسلوب الذى اتصفت به الفترة السابقة، إذ قام معظم المترجمين والهيئات أصحاب هذه النشاطات بإيقاف أو تقليص عملهم بشكل جِدى، وحاليا يتم معظم نشاط الترجمة فى مؤسسات مستقلة لكنها مدعومة من قبل الحكومة. وفى الغالب كان المترجمون العاملون من الشباب الفلسطنيين الذين تلقوا تعليما نظاميا داخل المنظومة التعليمية بإسرائيل، عُنِى تحجيم التدخل السافر للحكومة فى حركة الترجمة المتضامن مع أزمة القيم فى الأدب العبرى (شيكد 1998: 19–30) بزيادة حرية التعبير فسمح باختيار أعمال ضد الحكومة من أجل ترجمتها. فى هذه الآونة كان هناك تأكيد على أهمية حركة الترجمة فى دعم التفاهم والتعايش بين الشعبين، وقد حفز الشعور بأن الترجمة رسالة فى خدمة السلام العديد من الروائيين والشعراء على المبادرة بترجمة أعمالهم إلى العربية وحتى بالدعم المالى أحيانا، ولذا ازداد نشاط الترجمة فى هذه الفترة ازديادا كبيرا مقارنة بالفترة السابقة، وكما ذكرنا آنفا ظهرت ثمانية مقتطفات فقط فى الخمسينيات والستينيات، أما فى الفترة اللاحقة فقد نُشر حوالى خمسون مقتطفا.

لكن هذا ليس معناه تحسن حالة الترجمات طوال هذه الأعوام؛ فالحقيقة أنها زُجَّ بها أكثر فأكثر حتى آلت لوضع مجموعة من الأعمال المنعزلة على هامش الثقافة العربية الهدف، كما اقتصر نشاط الترجمة فى هذه الحقبة على عدد قليل من المؤلفات الدورية، وعلى رأسها الشرق (أُسست فى عام 1970) وميفجاش/لقاء (1964–1970، 1984–1992)، وفى الجريدة اليومية الأنباء (1968–1985) وفى مؤلفات دار المشرق للنشر المستقلة (التى أُسست فى عام 1979)، وقد قام ثلاثة مترجمين تقريبا بنصف الترجمات التى ظهرت فى هذه الفترة، وهم محمود عباس (المولود فى عام 1935)، أنطون شماس (المولود فى عام 1950) ومحمد حمزة غنايم (المولود فى عام 1953)، غير أنه فى أواخر الثمانينيات أوقف كل من غنايم وشماس نشاطهم فى هذا المجال، ويبدو أن السبب وراء تقاعدهم هو النقد السياسى اللاذع الذى تعرضا له فى الأوساط العربية داخل وخارج إسرائيل، إضافة إلى التوتر الناجم عن محاولاتهما لسد الفجوة بين ثقافتين غريبتين عن بعضهما (شماس 1985، غنايم 1997). وقد قام غنايم لاحقا كالعديد من زملائه بنقل أعماله الأساسية فى حقل الترجمة للسلطة الفلسطينية التى أخذت تشجع بكل طاقتها ترجمة الكتب التى تتناول جوانب متعددة من الثقافة الإسرائيلية، وفى الترجمات التى يعود تاريخها إلى هذه الفترة، أفضى التدخل اللغوى المتزايد للعبرية فى العربية المنطوقة لدى عرب إسرائيل والازدواجية اللغوية لدى بعض المترجمين العرب إلى ظهور اتجاه ملحوظ نحو الولاء للأصل العبرى بالحفاظ على كمال النص الأصلى وعلى طريقة تقسميه، بل تخللت اللغة المصدر بشكل أكبر إلى لغة الترجمات ذاتها، وحُفظت الأصول المستمدة من الثقافة اليهودية أو الإسرائيلية، وعلى ما يبدو لم يخضع تصوير العلاقات الحميمية المفصَّلة واللغة البذيئة والتلميحات المعادية للدين الموجودة فى النص الأصلى غالبا للرقابة، فقد تنوعت لغة الترجمات واشتملت على عناصر من العربية الفصحى والعامية.

3.4من أواخر الستينيات حتى الآن بالعالم العربى

كما أشرت سابقا، ترتب على حرب 1967 نقطة تحول أيديولوجية فى الثقافة العربية وتعزيز لضرورة دراسة أحوال العرب والبحث عن طرق لتحسينها (جاكموند 1992: 146).

كما تحدث المفكرون العرب من حين لآخر عن الحاجة للتعرف على المجتمع الإسرائيلى الذى كانت له النصرة فى الحرب. واعُتبر الأدب العبرى من إحدى أفضل وسائل التعرف على هذا المجتمع (بحراوى 1977: 11)، وظهر الاهتمام بالأدب العبرى الذى ارتكز فى البداية على الترجمات الإنجليزية الوسيطة فى كل من بحوث هذا الأدب، وافتتاح أقسام عبرية فى الجامعات خاصة فى مصر، لكن لم يكتم أغلب الباحثين والمترجمين لهذا الأدب تحفظاتهم عليه كونه مُسَّيسا وعنصريا، وتعوزه القيمة الجمالية والفنية، وبصفة عامة صاحبت الترجمات شروح عكست عادة نظرة المترجم الأيديولوجية والسياسية بدلا من أن تعكس نظرة العمل الأصلى. وحقيقة الأمر هى أن معظم النشاط الذى تناول الأدب العبرى كان عبارة عن بحث علمى أكثر منه ترجمة، فكانت الترجمات نتيجة ثانوية للبحث المقصود منها إثبات نظرة المؤلف، كما أن المادة المنتقاة للترجمة عُنيت هى الأخرى بتأكيد آراء المؤلف الجازمة عن المجتمع الإسرائيلى، لذلك أعطت هذه الترجمات أهمية هامشية فقط – إن وجدت – فى الثقافة المصدر للوضع الأصلى للأعمال المختارة، فلم ير المترجمون أو نقاد الأدب والجمهور المستهدف فى نتاج نشاطهم الترجمى أية ترجمة أدبية، بل اعتبروها غالبا ترجمات لنصوص أدبية88-لمزيد من المعلومات عن هذا التمييز بين الترجمات الأدبية وترجمة النصوص الأدبية، انظر تورى (1993).، وأن المادة الأدبية المجمعة التى انتمت إليها هذه الترجمات لم تكن أدبا مترجما للعربية، بل مجموعة خاصة من الأعمال التى ركزت على زيادة التعرف على إسرائيل واليهودية والصهيونية.

تتميز هذه الترجمات التى كانت غالبيتها ناقصة ومجزأة بوحدة أسلوبها وميلها للحفاظ على العناصر المأخوذة من الثقافة اليهودية أو الإسرائيلية، فى ظاهر الأمر بسبب الرغبة فى توكيد أجنبية النص المترجم وعدم قبوله كإبداع أدبى. علاوة على ذلك، يمكن للفرد أن يلاحظ أخطاء عديدة فى الترجمة ناجمة عن قلة الوعى بالثقافة الإسرائيلية والعبرية المنطوقة وعن الاعتماد المفرط على المعاجم العبرية العربية99-نُشرت المعاجم العبرية العربية منذ عام 1911 (كيال 2000: 136). وعن التحامل كسوء فهم المترجم المصرى الذى ظن أن الطريق السريع فى إسرائيل (طريق جها) طريق للامدادات العسكرية (بحراوى 1977: 190)، غير أن هذه الأخطاء أخذت تقل بمرور الزمن.

فى العصر الحديث خاصة قبل بداية الانتفاضة الثانية1010-الانتفاضة: كلمة عربية معناها “الثورة” أصبحت سائدة فى العربية والعبرية وغيرهما من اللغات كمصطلح للصراعات العنيفة بين كل من عرب الضفة الغربية للأردن وغزة من جهة والجيش الإسرائيلى من جهة أخرى. فى عام 2000، شهدنا تعاوناً بين المترجمين الإسرائيليين ودور النشر فى العالم العربى، وقد ترتب على هذا النشاط التعاونى ظهور مجموعة خاصة من الترجمات، لكن مازال الوقت سابقا لآوانه فى تحديد مكانتها وسط جملة الترجمات الموجودة، لكن من الواضح أن هذه المجموعة المحدودة كميا من الأعمال لن تُحدث اختلافا كبيرا فى مكانة وطبيعة الأدب العبرى وسط الترجمات العربية.

4.الترجمة كحوار عدائى

أوضح النقاش السابق أن الترجمات من الأدب العبرى الحديث إلى العربية قد عانت من تدهور حالتها وعزلها عن الآداب الأخرى المترجمة إلى العربية، وكما بينت، جاءت هذه الحالة نتيجة التباعد المستمر بين الثقافتين العبرية والعربية على خلفية الصراع العربى الإسرائيلى، هذا التباعد كان نتيجة إقحام الاعتبارات السياسية وغير الأدبية فى حركة الترجمة التى تراوحت بين القرارات الأساسية المتعلقة بخيار الترجمة من الأدب العبرى فى المقام الأول والقرارات المرتبطة بالطرق العملية للترجمة، على الرغم من التنوع الشديد فى الاعتبارات التى حركت المترجمين، نظراً للدور الذى لعبته عناصر متناقضة فى حركة الترجمة، ويرجع تاريخ عملية عزل هذا القطاع فى العالم العربى إلى بداية حركة الترجمة من العبرية إلى العربية نتيجة إنكار القيمة الجمالية لهذا الأدب وإعراض المترجمين عن قبول النصوص المترجمة كإبداعات أدبية وتحبيذهم للغة فصيحة، لكنها وسطية وإجحافهم الغالب، فى مقابل هذا تسبب التدخل السافر لبعض العناصر فى نشاط الترجمة بإسرائيل إلى فصل نتاج هذا النشاط عن الثقافة العربية الهدف. علاوة على ذلك، أكد هذا التدخل على ضرورة قبول معايير الترجمة التى تعبر عن علاقة الهيمنة التى تمارسها الثقافة العبرية المصدر على الثقافة العربية الهدف، ومن ثم زادت من عزل وحصر هذا النشاط برمته فى الأدب الفلسطينى بإسرائيل.

من هذا المنطلق، يوضح هذا البحث أنه فى ظل الصراع الإقليمى العنيف تتمخض عن حركة الترجمة نصوص مبتورة1111-نصوص مُعَدة لقراء بعينهم (كالأطفال مثلا) أو طبقا لشعرية أو أيديولوجية معينة (لفيڤير 1981: 72). هدفها أيديولوجى أكثر منه أدبى، هذه النصوص لن تشكل جزءاً مكملاً لهيكل الأدب المترجم، بل ستكون جزءا منفصلا ومعزولا لا يضيف أى شىء للأدب الهدف، كما يمكن القول بأنه كلما جرت حركة الترجمة فى مجتمع أقلية عرقية ذى لغة تُسْتَخدم كلغة الأغلبية فى مجتمع آخر، تأثرت حالة الأدب المترجم ليس فقط بالعلاقة بين اللغتين المصدر والهدف، ولكن أيضا بالعلاقة بين المجتمعين.1212-قارن نتائج دراسة تورى (تورى 1985).

تعليقات ختامية:-

1-للمزيد عن تاريخ الصراع العربى الإسرائيلى، انظر : (على سبيل المثال) موريس (1999سعيد (1992).
2-انظر: (مثلا) شهادة الشاعر الفلسطينى البارز محمود درويش (درويش 1979 :27–28).
3-أود التأكيد هنا على أن الترجمات المنشورة بالمجلات والكتب البحثية قصيرة عادة وأغلبها قصائد شعرية، وثمة صعوبة حقيقية فى الحصول على كافة الترجمات فى تلك المراحل، وبناء عليه، فأعداد الترجمات المذكورة هنا ليست دقيقة وغير نهائية.
4-انظر: (مثلا) المقالات الافتتاحية فى الاصدارات الأولى لدوريات المجتمع (1954) ومفجاش/لقاء (1964).
5-هستدروت: أُسست فى عام 1920، هى فى الأصل منظمة عامة للعمال اليهود بفلسطين وأصبحت بعد عام 1948 هيئة كاملة تشتمل على نقابات تجارية ومؤسسات عمالية متنوعة تحت سيطرة ماباى وهو الحزب الحاكم فى الدولة (انظر التعليق الختامى رقم 6 أدناه).
6-ماباى: الحزب السائد فى السياسة الحاكمة لإسرائيل من عام 1948 حتى عام 1977، ويعتبر الحزب الأكبر والعنصر الرئيس فى الائتلافات الحكومية.
7-كانت الضفة الغربية للأدرن وقطاع غزة جزءاً من فلسطين تحت الانتداب البريطانى (1917–1948)، وبعد حرب 1948 وتأسيس دولة إسرائيل فى جزء من فلسطين المنتدبة، تم ضم كليهما للأردن ومصر تباعا. ثم احتلتهما إسرائيل فى عام 1967 والتى وقعت على إتفاقية مع القيادة الفلسطينية فى عام 1994 نشأت بموجبها هيئة فلسطينية مستقلة فى هذه المناطق.
8-لمزيد من المعلومات عن هذا التمييز بين الترجمات الأدبية وترجمة النصوص الأدبية، انظر تورى (1993).
9-نُشرت المعاجم العبرية العربية منذ عام 1911 (كيال 2000: 136).
10-الانتفاضة: كلمة عربية معناها “الثورة” أصبحت سائدة فى العربية والعبرية وغيرهما من اللغات كمصطلح للصراعات العنيفة بين كل من عرب الضفة الغربية للأردن وغزة من جهة والجيش الإسرائيلى من جهة أخرى.
11-نصوص مُعَدة لقراء بعينهم (كالأطفال مثلا) أو طبقا لشعرية أو أيديولوجية معينة (لفيڤير 1981: 72).
12-قارن نتائج دراسة تورى (تورى 1985).

ثبت المراجع:-

Amara, Muhammad Hasan
1999Politics and sociolinguistic reflexes: Palestinian border villages. Amsterdam/Philadelphia: John Benjamins.
Amit-Kochavi, Hannah
1999Tirgum sifrut caravit le-civrit: ha-reqac ha-hisṭori-tarbuti šelahem, me’afyenehem u-macmadam be-tarbut ha-maṭara [Translations of Arabic literature into Hebrew: Their historical and cultural background and their reception by the target culture]. Tel-Aviv: Tel-Aviv University. [Unpublished PhD dissertation. Hebrew.]
Bahī, cIṣām
1986al-Šakhṣīyah al-širrīrah fī al-adab al-masraḥī [The evil character in dramatic literature]. Cairo: al-Haī’ah al-Miṣrīyah al-cāmah lil-Kitāb. [Arabic]
al-Baḥrāwī, Ibrahim
1977al-Adab al-sihīūnī baīn harbīn: huzayrān 1967 wa-tišrīn 1973 [Zionist literature between two wars: June 1967 and October 1973]. Beirut: al-Mu’asasah al-cArabīyah lil-Dirāsāt wal-Našr. [Arabic]
1994al-Thaqāfah al-carabīyah wa-thaqāfat al-sirāc al-isrāe’īlīyah [Arabic culture and the Israeli conflict culture]. Cairo: Dār al-Zahrā’. [Arabic]
Ben Dor, Israel
1981 “Tirgum ‘Ahavat Tsiyyon’ le-caravit le-rabbi Salīm (Šalom) al-Dāwūdī z”l be-sof ha-me’ah ha-qodemet” [The translation of Ahavat Tsiyyon into Arabic by Salīm (Šalom) al-Dāwūdī at the end of the 19th century]. Ba-macrakhah 21:250. 26–27. [Hebrew]
Darwīš, Maḥ mūd
1979Yaūmīāt al-ḥuzn al-cādī [Diaries of the usual sadness]. Akko: alAswār. [Arabic]
Ghanāīym, Muḥammad Ḥamzah
1997 “Asṭuḥ thaqāfīyah sākhinah” [Hot cultural roofs]. al-Karmil (Ramallah) 50. 246–250. [Arabic]
Goitein, Shelomo Dov
1974Jews and Arabs: Their contacts through the ages. New York: Schocken Books.
Ḥijāzī, Aḥmad
1995 “Thaqāfat ummah… am thaqāfat afrād?” [Culture of nation… or culture of individuals?]. Ibdāc 12:1. 4–5. [Arabic]
Horowitz, Donald L.
1985Ethnic groups in conflict. Berkeley, CA: University of California Press.
Jacquemond, Richard
1992 “Translation and cultural hegemony: The case of French–Arabic translation”. Lawrence Venuti, ed. Rethinking translation: Discourse, subjectivity, ideology. London and New York: Routledge 1992 139–158.
Kayyal, Mahmoud
2000Normot šel tirgum ba-tirgumim min ha-sifrut ha-civrit ha-ḥadašah la-safah ha-caravit ben ha-šanim 1948–1990 [Translational norms in the translations of modern Hebrew literature into Arabic 1948–1990]. Tel-Aviv: Tel-Aviv University. [Unpublished PhD dissertation. Hebrew.]
Landau, Yakov
1993Ha-micuṭha-caravi be-Yisra’el 1967–1991, hebeṭim poliṭiyim [The Arabic minority in Israel 1967–1991: Political aspects]. Tel-Aviv: Am Oved. [Hebrew]
Lefevere, André
1981 “Translated literature: Towards an integrated theory”. Bulletin: Midwest MLA 14:1. 68–78.
Mazcal, Ghānim
1985al-Šakhs»īyah al-carabīyah fī al-adab al-cebrī al-ḥadīth [The character of the Arab in modern Hebrew literature]. Akko: al-Aswār. [Arabic]
Morris, Benny
1999Righteous victims: A history of the Zionist–Arab conflict, 1881–1999. New York: Alfred Knopf.
Ramraz-Raukh, Gilah
1989The Arab in Israeli literature. Indiana: Indiana University Press.
Robinson, Abraham
1998 “Israeli market needs for Arabic translations”. Meta 43:1. 95–97.
Said, Edward
1992The question of Palestine. New York: Vintage books.
Shaked, Gershon
1998Ha-Siporet ha-civrit 1880–1980 V: be-harbeh ešnabim be-knisot tsdadiyyot [Hebrew narrative fiction 1880–1980 V]. [Tel-Aviv]: Ha-Kibbutz ha-Meuchad and Keter. [Hebrew]
Šammas, Anṭūn
1985 “ cal yamin u-smol ba-tirgum” [On right and left in translation]. citon 77 64–65. 18–19. [Hebrew]
Shohamy, Elana and Smdar Donitsa-Schmidt
1998Jews vs. Arabs: Language attitudes and stereotypes. Tel-Aviv: Tel-Aviv University, The Tami Steinmetz Center for Peace Research.
Snir, Reuven
1990 “‘Petsac eḥad mi-ptsacav’: ha-sifrut ha-caravit ha-falesṭinit be-Yisra’el” [One of his wounds: Arabic Palestinian literature in Israel]. Alpayim 2. 244–268. [Hebrew]
1991 “‘We were like those who dream’: Iraqi–Jewish writers in Israel in the 1950’s”. Prooftexts 11. 153–173.
1995 “‘Hebrew as the language of grace’: Arab–Palestinian writers in Hebrew”. Prooftexts 15. 163–183.
Somekh, Sasson
1989 “Cold, tall buildings: The Jewish neighbor in the works of Arab authors”. The Jerusalem quarterly 52. 111–125.
1998 “Nirmul cim mah še-eno normali: tarbutah šel Yisra’el be-cenayim mitsriyyot” [Normalization with the abnormal: Israeli culture in Egyptian eyes]. Alpayim 16. 158–177. [Hebrew]
Toury, Gideon
1985 “Aspects of translating into minority languages from the point of view of Translation Studies”. Multilingua 4:1. 3–10.
1993 “‘Translation of literary texts’ vs. ‘literary translation’: A distinction reconsidered”. Sonja Tirkkonen-Condit and John Laffling, eds. Recent trends in empirical translation research. Joensuu: University of Joensuu, Faculty of Arts 1993 10–23.
1995Descriptive Translation Studies and beyond. Amsterdam/Philadelphia: John Benjamins.
Usṭah, cādil
1993al-Adīb al-Filasṭīnī wal-adab al-sihīūnī [The Palestinian author and Zionist literature]. Bāqah al-Gharbīyah: Manšūrāt Šams. [Arabic]

Address for correspondence

Mahmoud Kayyal

Department of Arabic Language and Literature

Tel-Aviv University

P.O.B. 39040

TEL AVIV 69978,

Israel

[email protected]